Un petit recueil des karamate que les moudjahidine ont connu pendant la guerre de libération.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين أما بعد: فإن من معتقد أهل السنة والجماعة إثبات الكرامة التي هي أمر خارق للعادة، يجريه الله تعالى على يد ولي من أوليائه، معونة له أو لغيره على أمر ديني أو دنيوي، ولهذه الكرامات الربانية دواعيها وحِكمها كما أن لها أهلها ورجالها، وإن من أهلها المجاهدون الذين وهبوا أنفسهم لله عز وجل، وضحوا بأغلى ما لديهم في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، وليس لهذه الكرامات زمان محدد بل هي مستمرة استمرار وجود المؤمنين المخلصين الذين يستحقونها، وإن من أزمنة ظهور هذه الكرامات وتجليها أيام جهاد الجزائريين ضد المستعمر الصليبي الحاقد، هذا الجهاد الذي قاده رجال صادقون أكرم الله تعالى جلهم بالشهادة، ووصفهم العقيد محمدي السعيد رحمه الله في بعض مقالاته بأنهم كانوا ساهرين على أمور الدين والشريعة، قائمين على الجهاد والتعليم وبالغ في وصف استقامتهم حتى شبههم بالملائكة([1]).
وقد رأيت أن أنقل في هذه المقالة الموجزة بعضا من هذه الكرامات التي سجلها بعض المؤرخين، تقريبا لها من القراء وإشهارا لهذا الموضوع لعلنا نجد من يتفرغ لجمع أطرافه بما هو أوسع من هذه الشذرات المنثورة، وإن هذه القضية من القضايا الجديرة بالاهتمام في هذه الأيام قبل أن يفنى جيل هؤلاء الرجال الذين عاشوا أيام الجهاد، وذلك ليظهر للأمة أن قتال الجزائريين كان من أجل العقيدة وإعلاء كلمة الله، وأن النصر لم يأت بحنكة مفاوض أو مظاهرة مساند متعاطف أو تأييد دول الكفر والإلحاد، وإنما جاء بفضل نصرة الله تعالى للرجال الصادقين الذي تسلحوا بسلاح العقيدة والإيمان لمجابهة قوى الشر والطغيان.
أولا : إسقاط الطائرات ببنادق الصيد
مما هو معلوم ومشهور في أثناء الحرب أن المجاهدين كان تسليحهم متواضعا وأغلبهم كان يعتمد بنادق الصيد وأسلحة تقليدية قديمة، وقد التحقوا بالجبال تلبية للنداء ولم يسبق لهم تدريب على الرمي أو غيره، ومع ذلك كان رميهم مسددا وكانوا يصيبون العدو المدجج بأنواع الأسلحة المتطورة في المقاتل، وأكثر من ذلك كانوا يواجهون الدبابات والطائرات بهذه الأسلحة المتآكلة، وكم من طائرة يُنقل أن المجاهدين أسقطوها ببنادقهم، وكم من دبابة دمروها بقنبلة يدوية ، ومن المؤكد أن ذلك ليس من قوة سلاحهم أو خبرتهم في الرمي ولكنه من التأييد الرباني، كما قال عز وجل: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال/17]
ثانيا : النعاس الذي يثبت القلوب
إن المجاهدين إضافة إلى ضعف عدتهم كانوا يعانون في المعارك من قلة عددهم([2])، وربما واجهوا من جيوش العدو ما يرعبهم ويهز كيانهم، ولكن الله تعالى يربط على قلوبهم فيثبتون ويصمدون فيحققون الانتصارات التي لم تكن بالحسبان، ومن طرق تثبيت المولى عز وجل للمجاهدين في ساحات القتال أن يلقي عليهم النعاس قبل المعارك أو في بداياتها حتى يتجدد عزمهم وتعلو هممهم وقد قال عز وجل: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال/11] قال ابن كثير في تفسير الآية:"يذكرهم الله بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم، أمانا من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عَدُوِّهم وقلة عَدَدهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أُحُد، كما قال تعالى: (ثُمَّ أَنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [آل عمران: 154]. وكأن ذلك كان سجية للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر الله. وهذا من فضل الله ورحمته بهم ونعمه عليهم".
وهذه الكرامة من الله تعالى مما تواتر نقله عن المجاهدين في الحرب التحريرية فقد نقل المجاهد المؤرخ محمد زروال وقوعه عن عدد من المجاهدين ثم قال:" وعندما ألقيت محاضرة في الملتقى الوطني الأول عن جمع مادة تاريخ الثورة في مدينة باتنة يوم 22/10/1989م تناولت فيها ظاهرة النعاس بالشرح والتحليل، فقد أثار هذا الكلام جدلا كبيرا في القاعة، وكان للمجاهد الكبير الحاج لخضر أعبيدي([3]) قائد الولاية الأولى سابقا الفضل الكبير في الحد من حدته عندما وقف في الناس وقال :"هذه الحقيقة ومثلها مما جربته ثلاث مرات في الثورة التحريرية"، وأما المجاهد الأستاذ مصطفى هشماوي فأكد لي هو الآخر صحة وقوع ظاهرة النعاس في القتال، وذلك بعدما خرجنا من قاعة المحاضرات، وبمناسبة إحياء الذكرى الرابعة والثلاثين للثورة فإني دعيت إلى إلقاء محاضرة في قسمة المجاهدين بباب الزوار بالعاصمة تكلمت فيها عن ظاهرة النعاس في القتال، وعندما أنهيت كلامي وقف المجاهد محمد بهلول من مجاهدي الولاية الثانية فقال:"في إحدى المعارك بالولاية الثانية كان النعاس قد غشي المجاهدين فكنت أوقظهم الواحد بعد الآخر"([4]).
وفي الولاية التاريخية الخامسة وبالضبط في "مركالة" (على بعد 80كم غرب تندوف) بتاريخ 25/07/1956م حدثت معركة ضارية بين جيش التحرير الوطني وجيش العدو، ولم تكن القوتان متكافئتين، وقد تحصن أكثر المجاهدين بعد أن حوصروا بجبال "باني أولكرب" بصخوره وكهوفه، بينما بقي آخرون في العراء بعيدين عن الجبال معرضين لمدافع العدو وطائراته، والأمر الذي جعل استشهادهم أمرا مؤكدا، لكن فجأة أصابتهم غفوة وجيزة غمرهم نعاس، سرعان ما استفاقوا منه وانتبهوا وهم أكثر قوة وعزم على القتال والمغالبة، فشقوا ثغرة مكنتهم من الانسحاب إلى المناطق المحصنة بالصخور والتحقوا ببقية رفاقهم فسلموا بفضل الله عز وجل([5]).
ثالثا : نزول الأمطار وتراكم الضباب
ومن تلك الظواهر العجيبة التي كانت تحدث للمجاهدين أثناء القتال وفي حالات الشدة نزول الأمطار وتراكم السحب وانتشار الضباب، مما كان يحول دون مواصلة القصف الجوي والمدفعي لمواقع المجاهدين أو كان يسمح لهم بالانسحاب في حالة الحصار، وقد قال تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال/11]
وفي هذا يقول المجاهد محمد زروال:"وإذا تتبعنا الكرامات الربانية الغريبة في الثورة الجزائرية طالعتنا ظاهرة أخرى أشد غرابة هي ظاهرة نزول المطر من السماء في غير وقته، كما وقع ذلك في غزوة بدر الكبرى ..أما عن هذه الظاهرة عينها في الثورة الجزائرية فإن أمرها معروف عند المجاهدين الذين يرون فيها تأييدا معنويا لهم من الله تعالى، ذلك أن العدو يتوقف عادة عن الرمي عندما يغطي الضباب الأفق وتتراكم السحب وينزل المطر، فتتعذر إصابة الهدف بسبب عدم الرؤية الجيدة، فقد حدثني الكثير من المجاهدين الذين حضروا معركة الجرف الشهيرة([6]) أن المطر نزل من السماء في اليوم الرابع من هذه المعركة عندما كانوا يتأهبون للانسحاب وعندما تعذر عليهم ذلك بسبب تطويق العدو إياهم من جميع أقطارهم، عندئذ انتهز المجاهدون هذه التغطية الجوية الطبيعية فانسحبوا دون أن يكشفهم العدو"([7]).
وحكى عن بعض المجاهدين الذين كانوا في المركز الاستشفائي "قسنطينة" وهو "جبل قرب أريس"، بلغهم إحدى ليالي شهر رمضان من عام 1957م أن قوات العدو خرجت من مركز "النوادر" سيرا على الأقدام لتباغت المجاهدين الجرحى والمرضى في ذلك المركز، فسارع المجاهدون إلى إخلاء مكانهم لكن الوقت كان أسرع منهم، وفي الصباح لما لم يبق إلا نحو خمس كيلومترات تفصل قوات العدو عن المركز، ظهرت سحابة غطت الأفق، ثم بدأت الأمطار تهطل بغزارة، فسهل أمر انسحاب المجاهدين، بل وكان لتلك الأمطار –التي دام وقت نزولها ساعتين كاملتين-فضل محو آثار أقدام المجاهدين فلم يستطع العدو أن يتبين خط سيرهم ولا الوجهة التي قصدوا إليها، ورجع العدو يجر أذيال الخيبة والهزيمة، قال راوي القصة أنه سأل الناس بعد ذلك عن هذه الأمطار المفاجئة فأكدوا له أن أفقها لم يتجاوز المحور الرابط بين قرية "منعة" ومدينة "أريس"، وهي المنطقة التي كان العدو يخطط لتطويق المجاهدين فيها([8]).
ومن الوقائع التي تراكم فيها الضباب ليكون بمثابة الستر الذي يتسلل المجاهدون تحت جناحه ما رواه أحد المجاهدين إذ قال:"في صيف 1956م اكتشف رجال العدو أحد عشر مجاهدا بينهم الأخضر بن طوبال([9]) في أرض عارية في "بني صبيح" بالميلية، وبينما كان أولئك المجاهدون في حيرة من أمرهم أرسل الله سبحانه وتعالى سحابة كثيفة غطت الأفق، فانتهزوا هذه الطبقة السميكة من الضباب فلاذوا بالفرار، وقد شهد هذه الكرامة المجاهد الحاج لخضر أعبيدي حين قال معقبا على هذا الخبر: "وأنا أشهد أن العدو حاصرني ثلاث مرات لم أنج في كل واحدة منها إلا متسللا تحت غطاء من الضباب لا أرى له تفسيرا إلا أنه عامل من عوامل النصر الربانية الخفية"([10]).
../..
من كرامات الجهاد في الجزائر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين والعاقبة للمتقين أما بعد: فإن من معتقد أهل السنة والجماعة إثبات الكرامة التي هي أمر خارق للعادة، يجريه الله تعالى على يد ولي من أوليائه، معونة له أو لغيره على أمر ديني أو دنيوي، ولهذه الكرامات الربانية دواعيها وحِكمها كما أن لها أهلها ورجالها، وإن من أهلها المجاهدون الذين وهبوا أنفسهم لله عز وجل، وضحوا بأغلى ما لديهم في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى، وليس لهذه الكرامات زمان محدد بل هي مستمرة استمرار وجود المؤمنين المخلصين الذين يستحقونها، وإن من أزمنة ظهور هذه الكرامات وتجليها أيام جهاد الجزائريين ضد المستعمر الصليبي الحاقد، هذا الجهاد الذي قاده رجال صادقون أكرم الله تعالى جلهم بالشهادة، ووصفهم العقيد محمدي السعيد رحمه الله في بعض مقالاته بأنهم كانوا ساهرين على أمور الدين والشريعة، قائمين على الجهاد والتعليم وبالغ في وصف استقامتهم حتى شبههم بالملائكة([1]).
وقد رأيت أن أنقل في هذه المقالة الموجزة بعضا من هذه الكرامات التي سجلها بعض المؤرخين، تقريبا لها من القراء وإشهارا لهذا الموضوع لعلنا نجد من يتفرغ لجمع أطرافه بما هو أوسع من هذه الشذرات المنثورة، وإن هذه القضية من القضايا الجديرة بالاهتمام في هذه الأيام قبل أن يفنى جيل هؤلاء الرجال الذين عاشوا أيام الجهاد، وذلك ليظهر للأمة أن قتال الجزائريين كان من أجل العقيدة وإعلاء كلمة الله، وأن النصر لم يأت بحنكة مفاوض أو مظاهرة مساند متعاطف أو تأييد دول الكفر والإلحاد، وإنما جاء بفضل نصرة الله تعالى للرجال الصادقين الذي تسلحوا بسلاح العقيدة والإيمان لمجابهة قوى الشر والطغيان.
أولا : إسقاط الطائرات ببنادق الصيد
مما هو معلوم ومشهور في أثناء الحرب أن المجاهدين كان تسليحهم متواضعا وأغلبهم كان يعتمد بنادق الصيد وأسلحة تقليدية قديمة، وقد التحقوا بالجبال تلبية للنداء ولم يسبق لهم تدريب على الرمي أو غيره، ومع ذلك كان رميهم مسددا وكانوا يصيبون العدو المدجج بأنواع الأسلحة المتطورة في المقاتل، وأكثر من ذلك كانوا يواجهون الدبابات والطائرات بهذه الأسلحة المتآكلة، وكم من طائرة يُنقل أن المجاهدين أسقطوها ببنادقهم، وكم من دبابة دمروها بقنبلة يدوية ، ومن المؤكد أن ذلك ليس من قوة سلاحهم أو خبرتهم في الرمي ولكنه من التأييد الرباني، كما قال عز وجل: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال/17]
ثانيا : النعاس الذي يثبت القلوب
إن المجاهدين إضافة إلى ضعف عدتهم كانوا يعانون في المعارك من قلة عددهم([2])، وربما واجهوا من جيوش العدو ما يرعبهم ويهز كيانهم، ولكن الله تعالى يربط على قلوبهم فيثبتون ويصمدون فيحققون الانتصارات التي لم تكن بالحسبان، ومن طرق تثبيت المولى عز وجل للمجاهدين في ساحات القتال أن يلقي عليهم النعاس قبل المعارك أو في بداياتها حتى يتجدد عزمهم وتعلو هممهم وقد قال عز وجل: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال/11] قال ابن كثير في تفسير الآية:"يذكرهم الله بما أنعم به عليهم من إلقائه النعاس عليهم، أمانا من خوفهم الذي حصل لهم من كثرة عَدُوِّهم وقلة عَدَدهم، وكذلك فعل تعالى بهم يوم أُحُد، كما قال تعالى: (ثُمَّ أَنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) [آل عمران: 154]. وكأن ذلك كان سجية للمؤمنين عند شدة البأس لتكون قلوبهم آمنة مطمئنة بنصر الله. وهذا من فضل الله ورحمته بهم ونعمه عليهم".
وهذه الكرامة من الله تعالى مما تواتر نقله عن المجاهدين في الحرب التحريرية فقد نقل المجاهد المؤرخ محمد زروال وقوعه عن عدد من المجاهدين ثم قال:" وعندما ألقيت محاضرة في الملتقى الوطني الأول عن جمع مادة تاريخ الثورة في مدينة باتنة يوم 22/10/1989م تناولت فيها ظاهرة النعاس بالشرح والتحليل، فقد أثار هذا الكلام جدلا كبيرا في القاعة، وكان للمجاهد الكبير الحاج لخضر أعبيدي([3]) قائد الولاية الأولى سابقا الفضل الكبير في الحد من حدته عندما وقف في الناس وقال :"هذه الحقيقة ومثلها مما جربته ثلاث مرات في الثورة التحريرية"، وأما المجاهد الأستاذ مصطفى هشماوي فأكد لي هو الآخر صحة وقوع ظاهرة النعاس في القتال، وذلك بعدما خرجنا من قاعة المحاضرات، وبمناسبة إحياء الذكرى الرابعة والثلاثين للثورة فإني دعيت إلى إلقاء محاضرة في قسمة المجاهدين بباب الزوار بالعاصمة تكلمت فيها عن ظاهرة النعاس في القتال، وعندما أنهيت كلامي وقف المجاهد محمد بهلول من مجاهدي الولاية الثانية فقال:"في إحدى المعارك بالولاية الثانية كان النعاس قد غشي المجاهدين فكنت أوقظهم الواحد بعد الآخر"([4]).
وفي الولاية التاريخية الخامسة وبالضبط في "مركالة" (على بعد 80كم غرب تندوف) بتاريخ 25/07/1956م حدثت معركة ضارية بين جيش التحرير الوطني وجيش العدو، ولم تكن القوتان متكافئتين، وقد تحصن أكثر المجاهدين بعد أن حوصروا بجبال "باني أولكرب" بصخوره وكهوفه، بينما بقي آخرون في العراء بعيدين عن الجبال معرضين لمدافع العدو وطائراته، والأمر الذي جعل استشهادهم أمرا مؤكدا، لكن فجأة أصابتهم غفوة وجيزة غمرهم نعاس، سرعان ما استفاقوا منه وانتبهوا وهم أكثر قوة وعزم على القتال والمغالبة، فشقوا ثغرة مكنتهم من الانسحاب إلى المناطق المحصنة بالصخور والتحقوا ببقية رفاقهم فسلموا بفضل الله عز وجل([5]).
ثالثا : نزول الأمطار وتراكم الضباب
ومن تلك الظواهر العجيبة التي كانت تحدث للمجاهدين أثناء القتال وفي حالات الشدة نزول الأمطار وتراكم السحب وانتشار الضباب، مما كان يحول دون مواصلة القصف الجوي والمدفعي لمواقع المجاهدين أو كان يسمح لهم بالانسحاب في حالة الحصار، وقد قال تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال/11]
وفي هذا يقول المجاهد محمد زروال:"وإذا تتبعنا الكرامات الربانية الغريبة في الثورة الجزائرية طالعتنا ظاهرة أخرى أشد غرابة هي ظاهرة نزول المطر من السماء في غير وقته، كما وقع ذلك في غزوة بدر الكبرى ..أما عن هذه الظاهرة عينها في الثورة الجزائرية فإن أمرها معروف عند المجاهدين الذين يرون فيها تأييدا معنويا لهم من الله تعالى، ذلك أن العدو يتوقف عادة عن الرمي عندما يغطي الضباب الأفق وتتراكم السحب وينزل المطر، فتتعذر إصابة الهدف بسبب عدم الرؤية الجيدة، فقد حدثني الكثير من المجاهدين الذين حضروا معركة الجرف الشهيرة([6]) أن المطر نزل من السماء في اليوم الرابع من هذه المعركة عندما كانوا يتأهبون للانسحاب وعندما تعذر عليهم ذلك بسبب تطويق العدو إياهم من جميع أقطارهم، عندئذ انتهز المجاهدون هذه التغطية الجوية الطبيعية فانسحبوا دون أن يكشفهم العدو"([7]).
وحكى عن بعض المجاهدين الذين كانوا في المركز الاستشفائي "قسنطينة" وهو "جبل قرب أريس"، بلغهم إحدى ليالي شهر رمضان من عام 1957م أن قوات العدو خرجت من مركز "النوادر" سيرا على الأقدام لتباغت المجاهدين الجرحى والمرضى في ذلك المركز، فسارع المجاهدون إلى إخلاء مكانهم لكن الوقت كان أسرع منهم، وفي الصباح لما لم يبق إلا نحو خمس كيلومترات تفصل قوات العدو عن المركز، ظهرت سحابة غطت الأفق، ثم بدأت الأمطار تهطل بغزارة، فسهل أمر انسحاب المجاهدين، بل وكان لتلك الأمطار –التي دام وقت نزولها ساعتين كاملتين-فضل محو آثار أقدام المجاهدين فلم يستطع العدو أن يتبين خط سيرهم ولا الوجهة التي قصدوا إليها، ورجع العدو يجر أذيال الخيبة والهزيمة، قال راوي القصة أنه سأل الناس بعد ذلك عن هذه الأمطار المفاجئة فأكدوا له أن أفقها لم يتجاوز المحور الرابط بين قرية "منعة" ومدينة "أريس"، وهي المنطقة التي كان العدو يخطط لتطويق المجاهدين فيها([8]).
ومن الوقائع التي تراكم فيها الضباب ليكون بمثابة الستر الذي يتسلل المجاهدون تحت جناحه ما رواه أحد المجاهدين إذ قال:"في صيف 1956م اكتشف رجال العدو أحد عشر مجاهدا بينهم الأخضر بن طوبال([9]) في أرض عارية في "بني صبيح" بالميلية، وبينما كان أولئك المجاهدون في حيرة من أمرهم أرسل الله سبحانه وتعالى سحابة كثيفة غطت الأفق، فانتهزوا هذه الطبقة السميكة من الضباب فلاذوا بالفرار، وقد شهد هذه الكرامة المجاهد الحاج لخضر أعبيدي حين قال معقبا على هذا الخبر: "وأنا أشهد أن العدو حاصرني ثلاث مرات لم أنج في كل واحدة منها إلا متسللا تحت غطاء من الضباب لا أرى له تفسيرا إلا أنه عامل من عوامل النصر الربانية الخفية"([10]).
../..
Commentaire