، أمثال الهاشمي قروابي.. متداولة ويعشقها الجزائريون كثيرا، غير أنها لا تصنف في خانة الغزل والحب، بل هي واحدة من أعظم ما كُتب عن “الجهاد الشعبي البحري”، في البحر المتوسط، تخلّد انتصار الأسطول الجزائري على أسطول مالطا المسيحي في معركة حاسمة…
هذه القصيدة، الرائعة في بنيانها ومعانيها، هي من كلمات عماد الدين فخر الإسلام بن عبد الله بن حسين التوكالي، الشاعر الشعبي الجزائري، المولود سنة 1520م، في مدينة الجزائر العاصمة، الذي عاش مقربا من حكام الجزائر، وكان شاعرا وأديبا وفقيها. وقد نظم دواوين شعر، ضاع جلها في زمن الاستعمار الفرنسي.
قصيدة تخلد معركة
في 18 ماي 1565 م، تمت محاصرة جزيرة مالطا، من طرف الأسطول العثماني، ومن ضمنه الأسطول الجزائري، بقيادة بكلربك الجزائر “علج علي باشا”، ودام الحصار إلى غاية يوم 13 سبتمبر 1565 م، حيث كتب شاعر البلاط، “عماد الدين التوكالي”، قصيدة تروي ملحمة مالطا، يصف فيها الحصار، تغنى فيها بالنصر والغنائم، وكيف حملوا معهم غنائم الحرب باتجاه الجزائر، رفقة أجمل نساء مالطا العزباوات، وكانت العلجات، أو السبايا، من أهل مالطا، من أجمل بناتها العزباوات (علجات مفرد علجية كما ذكرنا من قبل، وهو اسم يُطلق على النساء الجميلات الأوروبيات من السباياج).
في المقطع الأول، يصف الشاعر السفينة التي ركبها القرصان، وبها 3 سوارٍ، يتكون الأسطول من 16 قلعة بحرية، ونحو 2000 قرصان.. انطلق من منطقة “ظريفة” في الجزائر العاصمة، بقيادة القرصان “عِلْج عَلِيّ بَاشَا”، وقد جاءت القصيدة، وفي المقطع الأخير منها، يتحدى الشاعر التوكالي القُراء في أبياته بقوله: إذا فهمت اللغز وكنت لبيبا من دون خطإ عن أي قرصان أتحدث فأنت عبقري، كما يذكر اسمه بلغز أيضًا في مقطع آخر.
قراءة ما بين الأبيات
قصيدة حوز مالطا، ليست قصيدة غزل أو غرام، كما يعتقد الكثير. ورغم ما فيها من وصف للجمال والعلجات الفاتنات، إنما هي في الأول والأخير، قصيدة حربية تروي معركة حوز مالطا، بين الأسطول الصليبي والأسطول العثماني، إذ التقى الجمعان في مالطا، في معركة دموية، كان الفوز فيها للأساطيل المسلمة.
ويذكر الشاعر، في بداية القصيدة: “قرصاني غنام”، وهو يحتمل معنيين، الأول: قد يكون اسم القرصان الذي جاهد مع العثمانيين، وهو عرف متداول في الحروب، أن يسمح لأي مسلم بأن يجاهد وإن كان قرصانا، غير أن هذه الرواية مستبعدة، فاسم القرصان في هذه القصيدة مستتر، وقد تعمد الشاعر أن يترك اسمه لغزا وأن يتحدى من يجد حروف اسمه المبعثرة داخل القصيدة، ورفع هكذا التحدي إلى كل من يدعي الحذق والفهم، أن يكشف هذا الاسم.
المعنى الثاني، وهو الأقرب إلى المنطق: القرصانُ غَنِمَ، يعني ربح المعركة وكسب الغنائم، بدليل البيت الذي يليه: “جاب علجات خواص من حوز مالطا”. والعلجات هن الجواري البيضاوات الشقراوات الأجنبيات، وهو يؤرخ هكذا لظاهرة جلب السبايا، التي كانت منتشرة في الحروب قديما.. ووصف السفينة، التي كان يقودها ريس البحر، مثير للاهتمام، لأنه يؤكد على أن صناعة السفن في الجزائر كانت في أوجها، وكانت تجمع أمهر الصناع.. من ورشاته كانت تبحر سفن ضخمة بقلاع تطوي الموج طيا.
قصيدة حوز مالطا، أو قرصاني غنام، سمِّها كما تشاء، فهي عبارة عن وثيقة تاريخية، تضعك في الإطار التاريخي للقرصنة الجزائرية، وإلمام رياس البحر بأبجديات الإبحار، حيث يقول: “والرايس ناجم حافظ الرملية بوصلة وكارطة”. وهذا، دليل آخر، على تقدم علم الخرائط واستعمال البوصلة لمعرفة الاتجاهات. وكذلك معرفة الزمن عن طريق الساعة الرملية. ولا تقتصر القصيدة على وصف السفينة وقدرات رايسها الخرافية في الإبحار، بل يعطي وصفا دقيقا للبحارة، وعددهم الذي فاق 2000 قرصان. ويسترسل الشاعر في وصف المعركة، وكيف أن السفن الجزائرية زعزعت مالطا، ورجت أسوارها بالمدافع القوية من طينة بابا مرزوق.
الشاعر عماد الدين التوكالي، يؤرخ في قصيدته لفترة ذهبية للأدب والشعر في الجزائر، حين كان السلاطين يقربون الشعراء، ويغدقون عليهم بالهدايا، حتى إن الشاعر، ومن دون أي جهد، غنم جارية سماها مريم، وراح ينثر اللويز من فرحته على الناس المارين من الميناء.
القصيدة
قرصاني غنام
جاب علجات خواص من حوز مالطة
الكل عزبات يسبيوا كياقوتات
قرصاني علام
فوق يم المالي معلم اسطا
مصنوع من الوريق والجمان التقات
مشمور مقوم
له ثلث صواري في الجو شابطة
سطاش من القلوع بشرايطها تنشات
……,
avec la chanson
Commentaire