] الجذور المغربية للعائلات في بيروت المحروسة
تعتبر بيروت المحروسة من المدن العريقة في نشأتها وتاريخها وتراثها وعائلاتها، وهي من المدن التي قامت بدور بارز في التاريخ اللبناني والعربي والدولي. وقد تميّزت منذ نشأتها قبل الميلاد بوجود عناصر سامية من أصول عربية، كان في مقدمتها العنصر الفينيقي السامي العربي، وهو العنصر الذي هاجر من شبه الجزيرة العربية في الألف الثالث ق.م. حاملاً معه لغته وعاداته وتقاليده وأسماء مدنه مثل: بيروت وصيدا وصور وجبيل وأرواد وسواها. ولهذا فإن جذور النشأة البيروتية ما قبل المسيحية والإسلام كانت نشأة عربية.
ولما افتتح العرب المسلمون بلاد الشام ابتداء من سنة (13) للهجرة التقى العرب الجدد بالعرب القدامى المستقرين منذ آلاف السنين في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية. لهذا فإن عروبة بيروت تعود إلى أكثر من خمسة آلاف سنة على الأقل، وليس إلى ألف وأربعمائة سنة كما يدّعي البعض. من هنا ندرك تماماً العوامل الحقيقية التي تدفع بالبيروتي إلى التفاعل بشكل لافت للنظر مع القضايا العربية والقومية.
ونحن لا ننكر أن بيروت تعرضت عبر التاريخ لموجات من السيطرة الفرعونية والآشورية والبابلية واليونانية والرومانية والإفرنجية وسواها، غير أن جميع هذه الموجات لم تستطع أن تصهرها في بوتقتها بسبب تناقض التكون التاريخي والديموغرافي بين تلك الموجات وبين أبناء بيروت وبلاد الشام قاطبة. ونتيجة للفتح العربي لبلاد الشام ومن بينها بيروت، فقد آلت في نهاية المطاف مدينة عربية إسلامية شهدت في ما بعد العهود الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، ومن ثم السيطرة الفرنسية للبلاد بين أعوام (1918 ـ 1946م).
ومن هنا ندرك كم مر على بيروت والمنطقة من شعوب وأنظمة حكم، ومن هجرات سكانية من الخارج، ومن نزوح سكاني من الداخل إلى هذه المدينة العريقة، غير أن العرب والمسلمين استطاعوا وبشكل نهائي تعريب المدينة ومن ثم أسلمتها.
لهذا فإن تكوُّن المجتمع البيروتي يعتبر تكوُّناً عربياً بالدرجة الأولى، بل إن تكوُّنه يعتبر مميزاً بسبب قدرة بيروت والبيارتة على «بيرتة» غير البيروتيين، وصهرهم في ظل المجتمع البيروتي في حين أن الكثير من الحواضر والمدن الكبرى لم تستطع أن تهضم المهاجرين أو النازحين إليها، أو أن القادمين إليها استطاعوا هضمها وابتلاعها وتغريبها عن عاداتها وتقاليدها ولغتها.
ومن الأهمية بمكان القول، وانطلاقاً من التاريخ العربي المشترك، ومن التاريخ المشترك لبلاد الشام، فإن التأريخ للعائلات البيروتية، إنما هو في الوقت نفسه التأريخ للعائلات اللبنانية وللعائلات العربية في اليمن وسوريا ومصر وفلسطين والعراق وبلاد الحجاز والأردن والخليج العربي، والجزائر والمغرب وتونس وليبيا وسواها من البلاد العربية.
اللهجة البيروتية لهجة عربية:
من هنا نلاحظ أن اللهجة البيروتية هي لهجة عربية أصيلة ما تزال ملامحها وصفاتها متجذرة حتى اليوم في المجتمع البيروتي، ويلاحظ أن اللهجات المغاربية تبرز بين الحين والآخر في اللهجة البيروتية لا سيما اللهجة التونسية، ولهجة الشلوح سكان بلاد السوس وجبال أطلس الكبير في المغرب الأقصى، ولهجة تمازرت وهي لهجة سكان الأطلس المتوسط، واللهجة الزناتية لهجة سكان جبال الريف في الشمال، فضلاً عن لهجات الجزائر وليبيا. علماً أن الكثير من ملامح اللهجة البيروتية بدأت تزول بسبب «التفرنج» في الكلام، ومع اقتحام العادات والتقاليد الغربية المنازل والشوارع والأسواق والمدارس والجامعات، وأجهزة الإعلام المتنوعة.
ومن سمات لهجة العائلات البيروتية على سبيل المثال لا الحصر: تحويل السين صاداً (س = ص) مثل كلمات: السور حيث آل فظها البيروتي الصور، ومثل: البسطة = البصطة، السمطية = الصمطية، وفي القرآن الكريم: والله يقبض ويبسط = يبصط، في الخلق بسطة = بصطة، المسيطرون = المصيطرون، كما تظهر في كلمات مثل: السلح = الصلح، سقر = صقر، بالإضافة إلى أن البيارتة يحولون الجيم إلى شين (ج = ش) مثال ذلك: الحرج = الحرش، اجتماع = اشتماع، جبارة = شبارة ثم تحولت إلى شبارو، فضلاً عن أن اللهجة الخليجية التي انتقلت مع الفتوحات إلى المغرب العربي ثم ارتدت مجدداً إلى المشرق تظهر واضحة في أسماء عائلات بيضون؛ أي: با يضون، وبعيون؛ أي: أبو العيون. وما يزال في السعودية والخليج تظهر حتى الآن كلمات مثل: با مسعود، با محمد...
ومهما يكن من أمر، فإنه يكفي أهل بيروت المحروسة فخراً أنهم استطاعوا الحفاظ على بيروت مدينة عربية، بعد أن كانت ردحاً من الزمن يونانية أو رومانية أو بيزنطية أو إفرنجية أو عثمانية، كما أفشلوا مخططات «فرنستها» في التاريخ الحديث والمعاصر.
ولا بد من الإشارة إلى أن عدد سكان بيروت تطور تطوراً بارزاً عبر العصور مما يدل على التطور السكاني، ومما يدل أيضاً على التنوع السكاني الذي أصاب المدينة نتيجة للهجرة والنزوح معاً.
والحقيقة فإن حديثنا عن الجذور التاريخية للعائلات البيروتية لا بد من أن يقودنا إلى تصحيح بعض المفاهيم عن أصول هذه العائلات. فالمفاهيم والنظريات السائدة والخاطئة في بيروت تشير إلى أن معظم البيارتة من أصول مغربية، (المغرب، تونس، الجزائر، ليبيا). والصحيح أن بعض العائلات المغربية ـ البيروتية هي شامية الأصل، وتعتبر في الوقت نفسه من أهم العائلات البيروتية لما قامت به من دور بارز في بيروت في الميادين الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية. ويمكن القول أيضاً أن بعض هذه العائلات المغربية هي أقدم العائلات التي توطنت في بيروت؛ لأن هجرتها الواضحة إلى المدينة بدأت بعض الشيء في العهد الأموي ثم في العصور الوسطى في فترة الحروب الصليبية، ثم مع سقوط الأندلس عام (1492م)، كما توالت الهجرات المغربية عبر سنوات طويلة في ما بعد إلى بيروت ومختلف بلاد الشام إلى نهاية الحكم الفرنسي عام (1946م).
وفي الوقت الذي شهدت بيروت هجرة المغاربة إليها، كانت تقطنها عائلات تعود بجذورها إلى القبائل العربية سواء التي توطنتها قبل الإسلام أو مع الفتح العربي والإسلامي. ومن هنا يمكن أن ندرس الجذور التاريخية للعائلات البيروتية، مع إعطاء نماذج وأمثلة هي على سبيل المثال لا الحصر:
الموجات العربية الأولى:
شهدت بيروت المحروسة مع بداية الفتح العربي قدوم العديد من العناصر العسكرية والمدنية التي تنتمي إلى قبائل عربية، وقد توطنت في بيروت، ومنها من حافظت على أسماء قبائلها، في حين أن البعض الآخر اتخذ أسماء جديدة هي عبارة عن ألقاب وصفات ومِهَن، ومن تلك القبائل والعائلات على سبيل المثال: الأمد، بكار، البواب (من بني حزم)، تميم، حرب، زيدان، سلام، صقر، العرب (دياب العرب، زنهور العرب، بدوي العرب، شهابي العرب...)، الفحل، مخزومي، شهاب، ربعة، زين، قيسي، المكحول، كريمة، علوان، عبلا، قاسم، الوزان، قدورة، شبيب، شعيب، نعمان، نعماني، النقيب، الصباغ، عمران، زريق أو الزريقي، هاشم، وسواها.
ومن بين العلماء العرب المسلمين الذين عرفتهم بيروت باسم «البيروتي» منذ العهود العربية الأولى منهم على سبيل المثال:
إبراهيم بن إسماعيل البيروتي، إبراهيم بن يحيى البيروتي، أحمد بن العباس بن الوليد العذري البيروتي، أحمد بن محمد بن مكحول البيروتي، إسماعيل بن زياد القاضي البيروتي، سالم بن المنذر البيروتي، سليمان بن أبي كريمة البيروتي، أبو محمد القرشي شعيب البيروتي، عبد الحميد بن بكار البيروتي، عبد الغفار بن عفان البيروتي، عبد الله بن شبيب البيروتي، عمر بن أحمد بن الأسد البيروتي، موسى بن عبد الرحمن الصباغ البيروتي، يزيد بن عبد الله بن صالح البيروتي...
أولاً: الجذور المغربية (الشامية) للعائلات البيروتية:
1 ـ تحديد مفهوم ومصطلح المغرب العربي:
قبل أن نتحدث عن الهجرة المغاربية إلى بيروت وبلاد الشام ينبغي أن نحدد مفهوم ومصطلح المغرب العربي. فقد اختلف بعض المؤرخين والجغرافيين العرب في تحديد مفهوم وجغرافية المغرب العربي فمنهم من رأى:
1 ـ إن المغرب العربي يضم بلدان شمالي أفريقيا وهي اليوم: المغرب، تونس، الجزائر، ليبيا.
2 ـ إن المغرب العربي يضم بلدان شمالي أفريقيا والأندلس (إسبانيا الإسلامية) وموريتانيا.
3 ـ إن المؤرخ الأندلسي ابن سعيد المغربي والمؤرخ ابن عذارى يضمان إلى بلدان المغرب العربي والأندلس مصر أيضاً باعتبارها القاعدة العسكرية والحضارية للمنطقة الغربية.
والأمر اللافت للنظر أن مدلول المغرب زاد اتساعاً في زمن العباسيين، فصارت الشام ضمن المغرب. وقد أورد المسعودي أن العباسيين قسموا مملكتهم إلى قسمين هما: المغرب ويشمل الشام ومصر وأفريقية وما آل اليها غرباً، والمشرق ويشمل بلاد فارس وما آل اليها شرقاً. وعلى هذه الأسباب قسم هارون الرشيد مملكته على أبنائه الأمين والمأمون والمؤتمن. غير أن جمهرة المؤرخين والجغرافيين عادوا واتفقوا على جغرافية ومدلول لفظ المغرب العربي على أنه شمالي أفريقيا والأندلس وبالتحديد:
1 ـ المغرب الأدنى؛ أي: تونس والأجزاء الشرقية من الجزائر، وكانت عاصمته القيروان زمن الأغالبة.
2 ـ المغرب الأوسط؛ أي: بلاد الجزائر وكانت عاصمته تاهرت في عهد الدولة الأباضية.
3 ـ المغرب الأقصى؛ أي: المغرب وعاصمته بين مدينتي فاس ومراكش (أي: الحمراء).
باعتبارها القاعدة العسكرية والحضارية للمنطقة الغربية.
والأمر اللافت للنظر أن مدلول المغرب زاد اتساعاً في زمن العباسيين، فصارت الشام ضمن المغرب. وقد أورد المسعودي أن العباسيين قسموا مملكتهم إلى قسمين هما: المغرب ويشمل الشام ومصر وأفريقية وما آل اليها غرباً، والمشرق ويشمل بلاد فارس وما آل اليها شرقاً. وعلى هذه الأسباب قسم هارون الرشيد مملكته على أبنائه الأمين والمأمون والمؤتمن. غير أن جمهرة المؤرخين والجغرافيين عادوا واتفقوا على جغرافية ومدلول لفظ المغرب العربي على أنه شمالي أفريقيا والأندلس وبالتحديد:
1 ـ المغرب الأدنى؛ أي: تونس والأجزاء الشرقية من الجزائر، وكانت عاصمته القيروان زمن الأغالبة.
2 ـ المغرب الأوسط؛ أي: بلاد الجزائر وكانت عاصمته تاهرت في عهد الدولة الأباضية.
3 ـ المغرب الأقصى؛ أي: المغرب وعاصمته بين مدينتي فاس ومراكش (أي: الحمراء).
تعتبر بيروت المحروسة من المدن العريقة في نشأتها وتاريخها وتراثها وعائلاتها، وهي من المدن التي قامت بدور بارز في التاريخ اللبناني والعربي والدولي. وقد تميّزت منذ نشأتها قبل الميلاد بوجود عناصر سامية من أصول عربية، كان في مقدمتها العنصر الفينيقي السامي العربي، وهو العنصر الذي هاجر من شبه الجزيرة العربية في الألف الثالث ق.م. حاملاً معه لغته وعاداته وتقاليده وأسماء مدنه مثل: بيروت وصيدا وصور وجبيل وأرواد وسواها. ولهذا فإن جذور النشأة البيروتية ما قبل المسيحية والإسلام كانت نشأة عربية.
ولما افتتح العرب المسلمون بلاد الشام ابتداء من سنة (13) للهجرة التقى العرب الجدد بالعرب القدامى المستقرين منذ آلاف السنين في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية. لهذا فإن عروبة بيروت تعود إلى أكثر من خمسة آلاف سنة على الأقل، وليس إلى ألف وأربعمائة سنة كما يدّعي البعض. من هنا ندرك تماماً العوامل الحقيقية التي تدفع بالبيروتي إلى التفاعل بشكل لافت للنظر مع القضايا العربية والقومية.
ونحن لا ننكر أن بيروت تعرضت عبر التاريخ لموجات من السيطرة الفرعونية والآشورية والبابلية واليونانية والرومانية والإفرنجية وسواها، غير أن جميع هذه الموجات لم تستطع أن تصهرها في بوتقتها بسبب تناقض التكون التاريخي والديموغرافي بين تلك الموجات وبين أبناء بيروت وبلاد الشام قاطبة. ونتيجة للفتح العربي لبلاد الشام ومن بينها بيروت، فقد آلت في نهاية المطاف مدينة عربية إسلامية شهدت في ما بعد العهود الأموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، ومن ثم السيطرة الفرنسية للبلاد بين أعوام (1918 ـ 1946م).
ومن هنا ندرك كم مر على بيروت والمنطقة من شعوب وأنظمة حكم، ومن هجرات سكانية من الخارج، ومن نزوح سكاني من الداخل إلى هذه المدينة العريقة، غير أن العرب والمسلمين استطاعوا وبشكل نهائي تعريب المدينة ومن ثم أسلمتها.
لهذا فإن تكوُّن المجتمع البيروتي يعتبر تكوُّناً عربياً بالدرجة الأولى، بل إن تكوُّنه يعتبر مميزاً بسبب قدرة بيروت والبيارتة على «بيرتة» غير البيروتيين، وصهرهم في ظل المجتمع البيروتي في حين أن الكثير من الحواضر والمدن الكبرى لم تستطع أن تهضم المهاجرين أو النازحين إليها، أو أن القادمين إليها استطاعوا هضمها وابتلاعها وتغريبها عن عاداتها وتقاليدها ولغتها.
ومن الأهمية بمكان القول، وانطلاقاً من التاريخ العربي المشترك، ومن التاريخ المشترك لبلاد الشام، فإن التأريخ للعائلات البيروتية، إنما هو في الوقت نفسه التأريخ للعائلات اللبنانية وللعائلات العربية في اليمن وسوريا ومصر وفلسطين والعراق وبلاد الحجاز والأردن والخليج العربي، والجزائر والمغرب وتونس وليبيا وسواها من البلاد العربية.
اللهجة البيروتية لهجة عربية:
من هنا نلاحظ أن اللهجة البيروتية هي لهجة عربية أصيلة ما تزال ملامحها وصفاتها متجذرة حتى اليوم في المجتمع البيروتي، ويلاحظ أن اللهجات المغاربية تبرز بين الحين والآخر في اللهجة البيروتية لا سيما اللهجة التونسية، ولهجة الشلوح سكان بلاد السوس وجبال أطلس الكبير في المغرب الأقصى، ولهجة تمازرت وهي لهجة سكان الأطلس المتوسط، واللهجة الزناتية لهجة سكان جبال الريف في الشمال، فضلاً عن لهجات الجزائر وليبيا. علماً أن الكثير من ملامح اللهجة البيروتية بدأت تزول بسبب «التفرنج» في الكلام، ومع اقتحام العادات والتقاليد الغربية المنازل والشوارع والأسواق والمدارس والجامعات، وأجهزة الإعلام المتنوعة.
ومن سمات لهجة العائلات البيروتية على سبيل المثال لا الحصر: تحويل السين صاداً (س = ص) مثل كلمات: السور حيث آل فظها البيروتي الصور، ومثل: البسطة = البصطة، السمطية = الصمطية، وفي القرآن الكريم: والله يقبض ويبسط = يبصط، في الخلق بسطة = بصطة، المسيطرون = المصيطرون، كما تظهر في كلمات مثل: السلح = الصلح، سقر = صقر، بالإضافة إلى أن البيارتة يحولون الجيم إلى شين (ج = ش) مثال ذلك: الحرج = الحرش، اجتماع = اشتماع، جبارة = شبارة ثم تحولت إلى شبارو، فضلاً عن أن اللهجة الخليجية التي انتقلت مع الفتوحات إلى المغرب العربي ثم ارتدت مجدداً إلى المشرق تظهر واضحة في أسماء عائلات بيضون؛ أي: با يضون، وبعيون؛ أي: أبو العيون. وما يزال في السعودية والخليج تظهر حتى الآن كلمات مثل: با مسعود، با محمد...
ومهما يكن من أمر، فإنه يكفي أهل بيروت المحروسة فخراً أنهم استطاعوا الحفاظ على بيروت مدينة عربية، بعد أن كانت ردحاً من الزمن يونانية أو رومانية أو بيزنطية أو إفرنجية أو عثمانية، كما أفشلوا مخططات «فرنستها» في التاريخ الحديث والمعاصر.
ولا بد من الإشارة إلى أن عدد سكان بيروت تطور تطوراً بارزاً عبر العصور مما يدل على التطور السكاني، ومما يدل أيضاً على التنوع السكاني الذي أصاب المدينة نتيجة للهجرة والنزوح معاً.
والحقيقة فإن حديثنا عن الجذور التاريخية للعائلات البيروتية لا بد من أن يقودنا إلى تصحيح بعض المفاهيم عن أصول هذه العائلات. فالمفاهيم والنظريات السائدة والخاطئة في بيروت تشير إلى أن معظم البيارتة من أصول مغربية، (المغرب، تونس، الجزائر، ليبيا). والصحيح أن بعض العائلات المغربية ـ البيروتية هي شامية الأصل، وتعتبر في الوقت نفسه من أهم العائلات البيروتية لما قامت به من دور بارز في بيروت في الميادين الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية. ويمكن القول أيضاً أن بعض هذه العائلات المغربية هي أقدم العائلات التي توطنت في بيروت؛ لأن هجرتها الواضحة إلى المدينة بدأت بعض الشيء في العهد الأموي ثم في العصور الوسطى في فترة الحروب الصليبية، ثم مع سقوط الأندلس عام (1492م)، كما توالت الهجرات المغربية عبر سنوات طويلة في ما بعد إلى بيروت ومختلف بلاد الشام إلى نهاية الحكم الفرنسي عام (1946م).
وفي الوقت الذي شهدت بيروت هجرة المغاربة إليها، كانت تقطنها عائلات تعود بجذورها إلى القبائل العربية سواء التي توطنتها قبل الإسلام أو مع الفتح العربي والإسلامي. ومن هنا يمكن أن ندرس الجذور التاريخية للعائلات البيروتية، مع إعطاء نماذج وأمثلة هي على سبيل المثال لا الحصر:
الموجات العربية الأولى:
شهدت بيروت المحروسة مع بداية الفتح العربي قدوم العديد من العناصر العسكرية والمدنية التي تنتمي إلى قبائل عربية، وقد توطنت في بيروت، ومنها من حافظت على أسماء قبائلها، في حين أن البعض الآخر اتخذ أسماء جديدة هي عبارة عن ألقاب وصفات ومِهَن، ومن تلك القبائل والعائلات على سبيل المثال: الأمد، بكار، البواب (من بني حزم)، تميم، حرب، زيدان، سلام، صقر، العرب (دياب العرب، زنهور العرب، بدوي العرب، شهابي العرب...)، الفحل، مخزومي، شهاب، ربعة، زين، قيسي، المكحول، كريمة، علوان، عبلا، قاسم، الوزان، قدورة، شبيب، شعيب، نعمان، نعماني، النقيب، الصباغ، عمران، زريق أو الزريقي، هاشم، وسواها.
ومن بين العلماء العرب المسلمين الذين عرفتهم بيروت باسم «البيروتي» منذ العهود العربية الأولى منهم على سبيل المثال:
إبراهيم بن إسماعيل البيروتي، إبراهيم بن يحيى البيروتي، أحمد بن العباس بن الوليد العذري البيروتي، أحمد بن محمد بن مكحول البيروتي، إسماعيل بن زياد القاضي البيروتي، سالم بن المنذر البيروتي، سليمان بن أبي كريمة البيروتي، أبو محمد القرشي شعيب البيروتي، عبد الحميد بن بكار البيروتي، عبد الغفار بن عفان البيروتي، عبد الله بن شبيب البيروتي، عمر بن أحمد بن الأسد البيروتي، موسى بن عبد الرحمن الصباغ البيروتي، يزيد بن عبد الله بن صالح البيروتي...
أولاً: الجذور المغربية (الشامية) للعائلات البيروتية:
1 ـ تحديد مفهوم ومصطلح المغرب العربي:
قبل أن نتحدث عن الهجرة المغاربية إلى بيروت وبلاد الشام ينبغي أن نحدد مفهوم ومصطلح المغرب العربي. فقد اختلف بعض المؤرخين والجغرافيين العرب في تحديد مفهوم وجغرافية المغرب العربي فمنهم من رأى:
1 ـ إن المغرب العربي يضم بلدان شمالي أفريقيا وهي اليوم: المغرب، تونس، الجزائر، ليبيا.
2 ـ إن المغرب العربي يضم بلدان شمالي أفريقيا والأندلس (إسبانيا الإسلامية) وموريتانيا.
3 ـ إن المؤرخ الأندلسي ابن سعيد المغربي والمؤرخ ابن عذارى يضمان إلى بلدان المغرب العربي والأندلس مصر أيضاً باعتبارها القاعدة العسكرية والحضارية للمنطقة الغربية.
والأمر اللافت للنظر أن مدلول المغرب زاد اتساعاً في زمن العباسيين، فصارت الشام ضمن المغرب. وقد أورد المسعودي أن العباسيين قسموا مملكتهم إلى قسمين هما: المغرب ويشمل الشام ومصر وأفريقية وما آل اليها غرباً، والمشرق ويشمل بلاد فارس وما آل اليها شرقاً. وعلى هذه الأسباب قسم هارون الرشيد مملكته على أبنائه الأمين والمأمون والمؤتمن. غير أن جمهرة المؤرخين والجغرافيين عادوا واتفقوا على جغرافية ومدلول لفظ المغرب العربي على أنه شمالي أفريقيا والأندلس وبالتحديد:
1 ـ المغرب الأدنى؛ أي: تونس والأجزاء الشرقية من الجزائر، وكانت عاصمته القيروان زمن الأغالبة.
2 ـ المغرب الأوسط؛ أي: بلاد الجزائر وكانت عاصمته تاهرت في عهد الدولة الأباضية.
3 ـ المغرب الأقصى؛ أي: المغرب وعاصمته بين مدينتي فاس ومراكش (أي: الحمراء).
باعتبارها القاعدة العسكرية والحضارية للمنطقة الغربية.
والأمر اللافت للنظر أن مدلول المغرب زاد اتساعاً في زمن العباسيين، فصارت الشام ضمن المغرب. وقد أورد المسعودي أن العباسيين قسموا مملكتهم إلى قسمين هما: المغرب ويشمل الشام ومصر وأفريقية وما آل اليها غرباً، والمشرق ويشمل بلاد فارس وما آل اليها شرقاً. وعلى هذه الأسباب قسم هارون الرشيد مملكته على أبنائه الأمين والمأمون والمؤتمن. غير أن جمهرة المؤرخين والجغرافيين عادوا واتفقوا على جغرافية ومدلول لفظ المغرب العربي على أنه شمالي أفريقيا والأندلس وبالتحديد:
1 ـ المغرب الأدنى؛ أي: تونس والأجزاء الشرقية من الجزائر، وكانت عاصمته القيروان زمن الأغالبة.
2 ـ المغرب الأوسط؛ أي: بلاد الجزائر وكانت عاصمته تاهرت في عهد الدولة الأباضية.
3 ـ المغرب الأقصى؛ أي: المغرب وعاصمته بين مدينتي فاس ومراكش (أي: الحمراء).
Commentaire